أولا أتقدم بالشكر الجزيل إلى الأستاذ رامي عبد الله - الأخصائي والمستشار في العلاج النفسي - الذي قدٍمَ إلينا من الممكلة العربية السعودية وحكى لنا القصة (قصة القطة المربوطة) في جلسة نقاشية وحوارية رائعة التي أشرف عليها صديقنا العزيز أنس النصراوي وحضرها أصديقاء ودعاة الحب والسلام بمدينة اكادير، وكان ذلك على شاطئ اكادير في وقت الغروب ليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2013.

  • قصة القطة المربوطة
هي قصة معبرة عن معلم عظيم كان محاطاً دوماً في معتزله بالأتباع المخلصين. وكان هؤلاء الأتباع يقضون معه ساعات طويلة في التأمل والصلاة كل يوم. ولكن كانت ثمة مشكلة وحيدة تصادفهم، فقد كان لدى ذلك المعلم قطة صغيرة مزعجة، لا تفتأ تتجول في المكان الذي يعتكفون فيه، وهي تموء مفسدة على الجميع خلواتهم النفسية وانشغالهم بالتأمل والصلاة. فأمر ذلك المعلم العظيم، مستنداً إلى حكمته العملية البالغة، أن تقيد تلك القطة الصغيرة إلى عمود في الخارج لبضع ساعات في اليوم، وذلك أثناء جلسات التأمل والصلاة فقط، كي لا تزعج أحداً من المعتكفين.

مع مضي الوقت مات المعلم، وتحول أمر - ربط القطة - إلى عادة، فصار كلما حان وقت جلسات التأمل والصلاة، لا بد أن يتم تقييد القطة إلى العمود في الخارج. ومع مرور السنوات، تحجرت هذه العادة، وتحولت إلى ما يشبه الطقس الديني، ولم يعد بإمكان أحد منهم أن يعتكف ليتأمل ويصلي، من دون أن يربط القطة إلى العمود أولاً.
في يوم من الأيام، ماتت القطة، فأصيب الأتباع بالذعر، وعانوا أزمة خطيرة. كيف لهم الاعتكاف الآن؟ وكيف لهم أن يمارسوا تأملهم وصلاتهم من دون قطة يربطونها إلى العمود؟ كيف سيصلون الآن؟ لقد أصبحت القطة في عقولهم هي الوسيلة التي لا يمكن الوصول من دونها، بعدما نسوا، أو تناسوا، أن معلمهم كان يربطها لمجرد التخلص من إزعاجها أثناء جلسات التأمل والصلاة، لا أكثر!
  • قطط كثيرة مربوطة في حياتنا
 هذه القصة الأسطورية عميقة الدلالات، تذكرني بالتجربة العلمية الشهيرة حول أولئك القرود الخمسة، والتي تفسر فيها كيف صارت هذه القرود تشارك جميعا في ضرب كل قرد جديد يقوم الباحثون بإدخاله إلى القفص، من دون أن يعرفوا لماذا يضربونه أصلاً. وكذلك ذكرتني بقصة تلك الزوجة الجديدة، التي كانت تحرص على قص ذيل السمكة قبل أن تقوم بقليها وتقديمها لزوجها، لمجرد أنها شاهدت جدتها تفعل ذلك، وحين سُئِلت الجدة عن سبب قص ذيل السمكة، جاءت الإجابة بأنها كانت تقص ذيلها لأن مقلاتها في ذلك الوقت كانت صغيرة ولا تتسع لكل السمكة!
لهذه القصص الرمزية، الكثير مما يقابلها في حياة الناس اليوم، سواء على الصعيد الديني، أو على مستوى الحياة والعمل بشكل عام. فكم من الطقوس الدينية التي يأتي بها كثير من الناس من حولنا، ويحرصون على التمسك بها وتأديتها دائما، بل يرون أن عباداتهم لا تستقيم من دونها، وهي في واقع الأمر ليست من الدين في شيء، بل حسبها أنها عادات جاء بها أحد ما في زمن من الأزمان، فسارت وترسخت بينهم جيلاً بعد جيل حتى اختلطت بالدين، وصاروا يحسبونها منه، وهو منها بريء!
وكذلك، كم من الممارسات الإدارية البيروقراطية في بيئات العمل المختلفة، والتي يدرج الموظفون على القيام بها، دون السؤال عن أصلها وهدفها، لمجرد أنهم وجدوا الجميع يمارسونها كذلك منذ لحظة توظيفهم الأولى، حتى تصبح جزءا صميما من إجراءات العمل، لا يستقيم العمل في ظنهم من دونها.
وكذلك على مستوى الإنسان شخصياً، كم من الأمور التي يعتاد المرء القيام بها، حتى تصير جزءاً متأصلا من تفاصيل حياته، دون أن يتوقف ولو للحظة واحدة ليفكر فيها، ويتفكر في فائدتها وقيمتها، ناهيك عن هل ستكون حاله أفضل لو هو تخلص منها ربما!
القطط التي يربطها الناس إلى الأعمدة في حياتهم اليوم، كثيرة.. مربوطة في كل جانب من جوانب هذه الحياة. والواقع أن أغلب الناس يمضي في معيشته دون حتى أن يكلف خاطره بالتساؤل؛ لماذا هي مربوطة يا ترى؟! يجترونها ويكررونها، بل ويدافعون عن وجودها.
فهل تراك من هؤلاء الناس؟ أم أنك من أولئك النادرين جدا، الذين تمردوا على ذلك، وصاروا يتوقفون بين فترة وأخرى في مسيرة حياتهم، باحثين عن هذه القطط المربوطة إلى الأعمدة حتى يطلقوا سراحها؟!

اضافات وهوامش
  • قصة القطة المربوطة روتها الكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبرت، في روايتها الشهيرة "صلاة.. طعام.. حب"، وهي الرواية التي صدرت في العام 2006، ومن ثم ترجمت إلى أغلب لغات العالم، وكذلك تم تحويلها إلى فيلم هوليوودي حاز شهرة كبيرة أيضا. وقد قام بترجمة القصة الى العربية الأستاذ رامي عبدالله.
    القصة باللغة الانجليزية : 



When the spiritual teacher and his disciples began their evening meditation, the cat who lived in the monastery made such noise that it distracted them. So the teacher ordered that the cat be tied up during the evening practice.
Years later, when the teacher died, the cat continued to be tied up during the meditation session. And when the cat eventually died, another cat was brought to the monastery and tied up.
Centuries later, learned descendants of the spiritual teacher wrote scholarly treatises about the religious significance of tying up a cat for meditation practice.




  • كتاب : طعام ... صلاة... حب

هو عبارة عن رواية تــُعد من أشهر الروايات في العالم، حيث بيع منها أكثر من 4 مليون نسخة وهي مترجمة الى العديد من لغات العالم، كما أنها تحولت الى فيلم سينمائي (لم أتفرج على الفيلم بعد، ولكن برمجت له موعدا في الاسبوع المقبل).
تنطلق الكاتبة إثر تجربة زواج فاشلة في مغامرة حول العالم باحثة عن ذاتها وروحها. تبدأ المغامرة من ايطاليا ثم إلى الهند، هناك تواضب على ساعات طويلة يوميا متأملة في أسرار الكون والكينونة، ثم تنطلق الى اندونسيا لتعيش وتتعلم على يد حكيم متمرس مسلم صوفي، لتكتشف أخيرا معنى الحب الحقيقي.
تحميل الكتاب : من هذا الرابط


هل تريد أن تصلك آخر الاصدارات و الأخبار العلمية عبر بريدك الالكتروني ؟
 قم بتسجيل بريدك الالكتروني : اضغط هنا للتسجيل

إرسال تعليق

 
Top